مدرسة الدكة الإبتدائية

مديرية التربية والتعليم بأسوان
ادارة نصر النوبة التعليمية
مدرسة الدكة الإبتدائية

neobux

onbux

السبت، 21 مايو 2011

مي المصري وجان شمعون أساطير من ثلاثة آلاف ليلة " مجلة الجزيرة الوثائقية"

اكتفى المخرج اللبناني "جان شمعون" حتى اللحظة بفيلم روائي واحد، كان قد أصبح في مرحلة جديدة كما يقول فيلم ( طيف المدينة ) والذي يعتبره مشروعا غير منتهي، بإمكاننا العزف عليه بمشاريع روائية أخرى، ولكن ثمة أشياء أكثر واقعية وأفكارا عايشها صعدّت من عفوية ( اللحظة الوثائقية ) في يقينه السينمائي " المتشدد "  دفعته نحو معايشات للناس اختزلت جلّ تفكيره، فهو بدأ مخرجا وثائقيا، وتنّقل بين ما هو درامي وثائقي وروائي ، ليعود ثانية نحو المربع الأول، المربع المشتهى، المربع الذي لا يخون أو يتشّفى بأصحابه.

 ما هو الدافع إذن لمغادرة هذه " القسمة "، وهل كانت بسبب أطياف أبطال خيّموا في الأفلام الوثائقية الأولى، وظلّوا يلحون عليه للخروج في رواية مكتوبة ومصورة، ولو لمرة واحدة ؟! يقول "جان شمعون" إنه لطالما كان شغوفا بكل المراحل التاريخية التي مرّ بها لبنان وهو يعيش لحظات تفلّت وانهيارات  كبرى؛ هذه المراحل كانت توحي له بأفلام وثائقية مبهرة : " كنت أتابع الأحداث كما لو أنها تقع في مرآة أمامي، لم أكن بحاجة لرواية من أي نوع، الروايات تتدافع هنا من تلقاء نفسها، والرواية تقبع في الحرب الأهلية اللبنانية، ولا رواية بعدها ".
 يعترف شمعون مواربة إن التحول بدأ من هنا ، فالوثائقي فيلم مضمر لإحالات صعبة ، وهو فيلم مخبأ لا يمكن كتابته إلا في حالات نادرة لا يعرفها الفيلم الروائي على أية حال، بالرغم من سهولته البادية للعيان: "لا لم يكن سهلا أن تعد فيلما وثائقيا، كان أشبه بعملية ولادة صعبة تتلو مخاضا عسيرا، رغم أن لبنان كان منتجا للأحداث اليومية المعقدة، التي تكفي مئات الأفلام ".
الشطر الفيروزي الآخر من التجربة كان يقف على بعد أمتار قليلة، كانت المخرجة الفلسطينية "ميّ المصري" شريكة " أسطورية " في التجربتين . ربما كانت تختزل علاقة الزوج والرفيق والشريك "جان شمعون"، العلاقة الفلسطينية – اللبنانية ذاتها؛ وبقدر ما كانت العلاقة تميل نحو تعقيدات مبهمة ومسورة بالنقمة المتبادلة، بقدر ما كانت تعني بشكل من الأشكال نوعا من الانزياح- في التأزم النفسي واليومي والحياتي الذي فرض نمطا مختلفا من الرواية على كلا الطرفين كانت علاقة "ميّ" بـ "جان" تميل نحو انفراج عاطفي ونفسي وإنساني وحياتي تختزله في كل ذلك السينما بكامل مقوماتها الفريدة : "هناك ميل نحو المأساة والفرح، وهو ميل مكمل للتجربة الوثائقية التي خضتها مع "جان" أولا ومنفردة ثانيا، أريد أن أقدم شيئا جديدا، لأن الرواية أخذت منحى مختلفا أيضا، أنا بهذا المعنى لا أبتعد عن تجارب الماضي، ولكن هناك أقنية  إبداعية مختلفة لموضوع واحد أصلا، ويحتمل بناءه دراميا مئات المرات، حتى الأفلام الوثائقية التي جربناها معا يمكن أن تدخل من هذا المضيق".
يمكن بناء افتراض عاطفي آخر هنا، ولا يتأخر هذا الافتراض إذ يرنّ الهاتف في بيت  ( شمعون - المصري )، وتكون المتحدثة على الطرف الآخر "سمر العلمي". من هي سمر العلمي ؟ ربما يكون لهذه المكالمة ثمنا خاصا قبل معرفة الإجابة، فهي المفتاح الذي يقود نحو عالم "ميّ المصري" الروائي، العالم البكر غير المكتشف، العالم الموارب الذي يستحق الاقتحام بالرغم من كلفة الأحلام العالية غير المكتشفة في عالم هذه المخرجة، لأن تشويشا خطرا من نوع آخر يمكن أن يلحق الأذى بمن يحاول الغوص فيه، فوعورة الدرب أكبر من أن تقاس بالضربات الدرامية الوثائقية التي أكمل ثنائي "شمعون – المصري" أقواسها دفعة واحدة في باقة أفلام : "سمر العلمي سجينة سابقة في السجون البريطانية لمدة 15 عاما, وضعت في سجن مع القاتلات والمجرمات الجنائيات، وهي تحاول بعد إطلاق سراحها أن تعود للدراسة في الجامعة الأميركية، وقد اتصلت بي لأساعدها في إعداد فيلم وثائقي عن أبيها  "سامي العلمي".  "سمر" مرتبكة لأنها لا تعرف التقنيات الحديثة". قد  لا تكون الإجابة حتما إلا سهما بإتجاه المكان الذي يقصده "جان شمعون" بحديثه: "من خلال رجفة الصوت في المكان، يمكن اكتشاف الممثل، واكتشاف ما هو أهم ومرتبط بتطور الموضوع وراهنيتيه، وهنا تكمن أهمية البعد الرمزي للموضوع ، هنا في حيز مرتفع من  المكان تتطور قصة الفيلم الروائي ".
مي وجان شمعون في صبرا وشاتيلا

الذي يقصده "جان" بشغفه المعهود هو الفيلم الروائي الذي تعمل عليه "ميّ" بعنوان ( ثلاثة آلاف ليلة )، لا تخفي المخرجة الفلسطينية شيئا من عالمها الجديد المتخيل ضمنا في قالب روائي من كتابتها، فالبعد الرمزي واضح ويشي به العنوان بقوة :"عروس فلسطينية جديدة تعتقل وتضع مولودها الأول في سجن إسرائيلي، وتقوم بتربيته ضمن أسوار السجن.
 الفيلم يحكي عن تجربتها كأم تربي طفلا في سجن إسرائيلي وهي محاطة بسجينات فلسطينيات سياسيات من جهة وإسرائيليات جنائيات من جهة أخرى"؛ يتضح البعد المعرفي في الحكاية التي لا تبتعد كثيرا عن آلية ومنطق السرد الذي يغلف " أساطير شهرزاد: "للحكاية الفلسطينية شهرزادها الخاصة بها، وهي أصبحت معتادة على رواية حكايتها بطريقتها، فهي لا تكتفي بتربية ابنها في ظروف صعبة وجهنمية، بل وأصبح لها حكاية تقوم بروايتها كي تخمد غرائز السجان والسجينات معا".
 لماذا تقترب "ميّ المصري" في فيلمها الروائي الطويل الأول ( ثلاثة آلاف ليلة ) من منطقة خطرة وصعبة لا تكتفي بالإحالة إلى القصص الشهيرة؟ : "البطلة محكومة بثماني سنوات، وهي تعادل حسابيا ثلاثة آلاف ليلة، وأنا أردت للعنوان أن يكون مفتوحا على تفسيرات شتى أجمع من خلاله فكرة الزمن الطويل مع فكرة الليل، أو العتمة المبهرة التي سنعود لها ثانية ما إن يطبق جفن السرد هنا، طريقة السرد أنثوية محضة والصمود في السجن يكون عبر الخيال وعبر هذا السرد فقط، فما من أدوات أخرى غيرهما تعيل هذه المأسورة؛ الخيال هو الحرية وهو من يفرض التحرر من سطوة السجان".
والسجينات هن عزلة الكون عندما تكرّ سبحة السؤال وتتعقد الإجابة من حوله، هنا نفترض الرواية المواربة في الشغل، والمواربة في دق الأبواب التي سنلجها يوما ونحن نطرق بوابة الروائي لنعرّبه من نباهة وشدة وقوة الوثائقي الذي يقيم ها هنا على غير مبعدة من شهوة الافتراضات وانحناءاتها المستقبلية :" السجنيات الإسرائيليات موضوع مختلف ها هنا.
لن يمكن البوح أكثر بخصوصهن ولكن المعطى الدرامي من حولهن سيكون شائكا ومعقدا، وبإحالة واحدة إلى فعل الإخاء الإنساني الذي تفرضه " جماليات الجحيم " أحيانا، ويمكن له أن يطل برأسه بين العداوات الأبدية ".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دردشة (شات)