يواصل الشيخ أبوعمر المحمدى نقده للمتمسلفين فيقول:
أما هؤلاء الأدعياء فإنهم وقعوا فيما يحذرون الناس منه، والذى هو اجتناب البدعة.. أليست هذه على ميزانكم بدعة؟ إنكم تتنقلون بين القنوات.. وهذا يُسلِّم ذاك.. وكأنهم أصيبوا بداء الثرثرة وكثرة الكلام، ويا ليته كان كلامًا منضبطاً، ولكنه والله كلام ينبئ عن جهل، وإن كان الأتباع لهم مبهورين به، فلأنهم لا يملكون من الأدوات ما يحققون ويفرقون به بين الكلام الهذر والكلام النافع. وشغلوا الناس بما يرفع قدرهم ومكانتهم عند الناس، فأدخلوا فروض الكفايات فى فروض الأعيان، فما ازداد الناس إلا تحيرًا وتخبطًا واضطرابًا، وهذا سمعته من أناس كثيرين، إذ يقول القائل منهم: والله احنا اتحيرنا.. ويقول الآخر: والله إحنا ما عارفين الصح فين والغلط فين.. إلى غير ذلك من الأقوال. ويؤكد فى المقالة الرابعة أن هؤلاء المتمسلفين ليسوا علماء.. وإن كانوا دعاة كما يزعمون.. إنهم وعاظ قصاص، يحسنون الحفظ جيدًا.. كما يحسنون فن الإلقاء لمحفوظاتهم جيدًا. وإن أهل العلم الحقيقيين ليتلوى الواحد منهم مما يسمع من فتاواهم على الهواء مباشرة، فإن فتاواهم منبئة عن حالهم فى التدين، كما أنها منبئة عن عظيم جهلهم. فهذا أحدهم يسأل قائلاً: إن أبى يمنعنى من إعفاء اللحية؟ فيأتيه الجواب: لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق.. وهذا يسأل عن مسألة فى يمين الطلاق؟ فيأتيه الجواب: امرأتك طالق.. وهذه تسأل عن حكم النقاب ولبسه؟ فيأتيها الجواب مائعًا.. وامرأة تسأل محدثهم قائلة: إن زوجها يأمرها أن تخلع النقاب، وإلا طلقها ؟ فيجيبها بإيثار الطلاق على خلع النقاب؛ فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق. إلى غير ذلك من البرامج المتضمنة لجهالاتهم.. فإنهم يتناولون المسائل بما اقتنعوا هم به، دون أن يوضحوا فيها أوجه الخلاف المتباينة، فيفرضون على الأمة مذاهبهم الأخيرة فى المسألة.. وإذا حدثهم أحد بأن هذه المسألة من المسائل الخلافية، والذى يسعهم الخلاف فيها، فلا داعى للتضييق والحرج والعنت.. تراهم يتكلمون فى الخلاف وأصوله، فيأتون بالطامات العظيمات. ولو أنك أمعنت النظر فيما يريدونه من الناس فى الدين، لوجدت أن حقيقة الدين الذى يدعـون الناس إليه لا يتجاوز: إعفاء الرجال لحاهم.. وارتداء النسـاء النقاب.. هذه هى حقيقة الدين عندهم. إنهم خلطوا باب الوعظ والقصص والحكايات والافتراضات بالعلم، فوقعت الجناية أيضًا على قطاع عريض من الشباب، فإن كثيرًا من الشباب يحبونهم ويعظمونهم، ومن ثَمَّ فإنهم مبهورون بما يتلقونه منهم، ولما كان هؤلاء الشباب لا عهد لهم بالعلم، ولا بصر لهم بطرق استخراج الأحكام، وليس معهم ما يفرقون به بين ما من أصله أن يكون علمًا، وما من أصله أن يكون وعظًا، ظنوا أن هذا هو العلم بتمامه. إن طريقتكم فى التعلم والتعليم طريقة سقيمة، مفادها: (اعتقد.. ثم استدل)، فإذا أراد أن يعمل أحدكم فى مسألة ما، فإن ترتيبها لديه يكون هكذا: (١) اعتقاد الحكم فيها مسبقًا. (٢) حشد الاستدلالات- وليس الأدلة- لما اعتقده من حكم فيها. (٣) حشد أقوال الأئمة الموافقة لاعتقاده فى حكم المسألة. (٤) عدم اعتبار ما عدا ذلك، ومن ثَمَّ كتمه وعدم إظهاره. (٥) التلبيس على الناس بأن هذا هو القول الفصل، والحكم الشرعى فى المسألة، ولا قول بعده. والشيخ أبوعمر المحمدى واضع هذه المقالات يعتب على الأزهر لأنه سكت على جهالة هؤلاء الأدعياء حتى ازداد إعجابهم بأنفسهم وظنوا أن ما هم فيه هو العلم، فكثر ظهورهم وقويت شوكتهم وازداد الناس بهم انبهارًا. وأكد أن هؤلاء الدعاة يدلسون ويشوهون الوقائع، ويستدل بذلك على تعريفهم بالبدعة بأنها أى شىء لم يحدث فى عهد رسول الله أو السلف، ويدعون الاستشهاد بالشاطبى الذى رفض تعبير بدعة حسنة، ولكنهم لم يذكروا أن الشاطبى ضيق نطاق البدعة بحيث إن غيرها لا يكون ذميمًا، كما تجاهل ما قاله الشافعى، وهو بالطبع أوثق من الشاطبى «المحدثات من الأمور ضربان: ما أحدث يخالف كتابًا أو سُـنة أو أثرًا أو إجماعًا، فهذه البدعة ضلالة، وما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، فهذه محدثة غير مذمومة، قد قال عمر فى قيام رمضان: نعمت البدعة هذه، يعنى أنها محدثة لم تكن، وإذ كانت فليس فيها رد لما مضى». اتق الله- تعالى- يا حوينى واسكت، ولا تغتر بكثرة الأتباع، وكثرة المتصلين بكم على الهواء مباشرة، فأنت تعلم يقينًا أنهم لا عهد لهم بالعلم، ولا بصر لهم بطرق الاستدلال والاستنباط، وإنما هو فقط شدة الانبهار بلغة جديدة فى الوعظ غلفها وجمَّلها سرد القصص والحكايات. ويتحدث الشيخ أبوعمر المحمدى فى المقالة الخامسة عن حقيقة الثلاثى المشهور حسان، ويعقوب، والحوينى- قد ابتُلى ببلية عظيمة، ألا وهى: تشبعه بما لم يُعط، ثم أكد هذا التشبع: كثرة المصفقين له بطريق المدح والثناء من قِبَلِ أناس ليس لهم بصر بالعلم، ولا معرفة لهم بطرق الاستخراج والاستنباط، اللهم إلا الانبهار بطريقتهم التى لا يقف على حقيقتها إلا العلماء المحققين. إن هذا الثلاثى المخدوع ظنوا فى أنفسهم أنهم حُرَّاس الحق، وأنهم يتناوبون حراسته فيما بينهم، وحتى يتربعوا على عرش الوهم هذا؛ رموا مخالفيهم بقلة العلم، وعدم الفهم، وأن صناعتهم- أى المخالفين- هى الوعظ والتذكير فحسب، ولا أرى ههنا إلا انطباق هذا المثل على هذا الثلاثى، وهو: (رمتنى بدائها وانسلت). إن هذا الثلاثى المخدوع تجمع بينهم على المستوى الدينى صفات مشتركة؛ لابد أن نوفيهم حقهم فيها، وهى: شدة تدينهم.. وقوة عاطفتهم الدينية.. وعلو التزامهم بما يحبون الالتزام به.. بل وصدقهم.. وأمانتهم.. وورعهم.. وسمتهم الظاهر بالسنن. أما على المستوى العلمى: فهاك حقيقة كل واحد منهم، كلٌّ على حدة. أما فضيلة الشيخ محمد حسان: فهو إعلامى بارع، تجلت براعته هذه فى عدة أمور ظاهرة، ومنها: (١) قوة الحفظ التى أوتيها موهبة من عند الله تعالى، فوظفها أحسن توظيف فى طرح ما يناسب حاله من حُسن تدين على الناس، غير مراعٍ الفوارق المختلفة فى الأحكام الشرعية المختلفة، وكذلك غير مراعٍ ما يناسب حال الناس من رخصة وعزيمة. (٢) براعته العالية جداً فى فن الإلقـاء، فإنَّا نحسب أنه (أمير فن الإلقاء) فى زماننا هذا؛ فهو لا يُضاهى ولا يُبارى فى لباقته وإلقائه، بل غير مدافعٍ ولا منازعٍ فى ذلك. (٣) غزارة محفوظاته التى لا تنفك مطلقًا عن الأمرين السابقين، فلابد لمن هذه حاله من النظر فى كل ما يقع تحت يده، ومن ثَمَّ الاجتهاد والجِدّ الحثيث فى حفظه (لدرجة الابتلاع). (٤) انتقاء ما يناسب منهجه وطريقته التى اخترعها اختراعًا ونسبها للسلف الصالح- رضى الله- تعالى- عنهم. ثم هو أخذ يحفظ جملة وافرة مما سطره علماء السلف من قواعد أصولية، وقواعد فقهية، وقواعد حديثية، وقواعد لغوية، ولسان حاله يقول : أرأيتم، إنى أضرب فى كل فن من فنون العلم بسهم؛ ثم أعطى لنفسه الحق فى أن يتصدَّر للإفتاء، وظن فى نفسه أنه عالم علامة، وحبر فهامة.. ثم تراه يكذب ويقول: (أنا لم أدَّعِ أنى من العلماء ولا من أهل العلم)، فإن كنت صادقاً فلماذا تفعل نقيض ما تقول؟ فهلا سكت لئلا يكون ذلك حجة عليك عند الله تعالى. يا فضيلة الشيخ حسان: أنت واعظ مؤثر، كما أنك متحدث مفوه، وخطيب بليغ، وأديب فصيح، ومذكِّر مؤد، ووالله ليس هذا من باب السب أو إثبات النقيصة، وإنما هو من باب إيقافك على الحقيقة؛ وإلا فاقعد مع نفسك قعدة إنصاف، ثم انظر فى بضاعتك، فإنها لا تعدو هؤلاء الأمور: الحفظ.. الإلقاء.. الغزارة. يتكلم ببراعة فائقة فى تبيين: فقه الدليل، ومناطاته، والوقوف على علومه من حيث الخاص والعام، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ، والمتقدم والمتأخر.. وأشياء يوهم بها أنه على دراية بها، وما هو كذاك، إذ عند التطبيق والتحقيق ليس له قوة على ذلك، فدون ذلك خرط القتاد بالليل. gamal_albanna@islamiccall.org gamal_albanna@yahoo.com www.islamiccall.org gamal-albanna.blogspot.com |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق