صى بن كلاب وقصة سدانة البيت
البيت طبعاً المقصود به الكعبة المُشرفة ..وخُدّامُ البيت كانوا يُسمون( السدنة )..كانت سدانة البيت شرفاً عظيماً لا يناله إلا الاكفاء من الاشراف والسادة وكانت القبيلة التى تُسند إليها سِدانة البيت هى سيدة القبائل وأشرفها وأعلاها ..وكان سدنة البيت هم أشراف مكة وأولو الأمر فيها , وهم الذين يملكون مفاتيح الكعبة , ويتولون زعامة الحج وقيادة الناس فى أداء مناسكه.
من أجل ذلك كانت القبائل التى نزلت بمكة تتنافس تنافساً شديداً فى الوصول إلى سدانة البيت وتحاول كل قبيلة أن تستأثر دون غيرها بهذا الشرف العظيم , وكان الصراع من أجل ذلك دائما بين القبائل . فكل قبيلة تغلِب يكون لأشرافها وحدهم حق السدانة ..فلا تزال كذلك حتى تغلبها قبيلة أخرى .
وكان بنو اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام هم الذين تولوا سدانة البيت بعد أبيهم ومازالوا يقومون بها حتى غلبهم عليها أخوالهم من قبيلة ( جُرهم ) فانتزعوها منهم واستمرت السدانة فى جرهم حينا من الدهر حتى غيّروا وبدلوا فى شعائر الحج وطغوا وبغوا على الناس وأفسدوا فسلط الله عليهم قبيلة أخرى تُسمى( خزاعة) فغلبوهم على سدانة البيت وتولوا دونهم أمر مكة.فلما رأت قبيلة جرهم أنها غلبت على أمرها عمدوا إفى كل ما أُهدى الى الكعبة من نفائس ,فألقوها فى بئر زمزم ثم ردموا البئر وأخفوا معالمها ..
استمرت خزاعة دهراً طويلاً تقوم على سدنة البيت وتتولى شئون الحكم فى مكة حتى انتقلت منها إلى قبيلة قريش وكانت قريش أشرف القبائل التى فى مكة وأعلاها نسباً لأنها من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وكان أول من تولى ذلك من قريش قُصىّ بن كلاب أحد أجداد النبى محمد عليه الصلاة والسلام .
مات أبو قُصىّ وهو طفل صغير فتزوجت أمه رجلاً آخر يسمى ربيعة بن حرام وانتقلت معه الى الشام وأخذت معها قُصى وظل يعيش مع زوج أمه وهو يظنه أباه جتى كبر وصار شاباً ..وفى ذات يوم كان قًصى يُبارى رفيقاً له من قُضاعة فى رمى السهام فغلبه قصى فاغتاظ القضاعى وسبّ قصياً وعيّره وقال له : أما آن لك أن ترحل عنا أيها الغريب ؟اذهب الى قومك فاعرف من ابوك؟ ...أثرت الكلمات فى نفس قصى فذهب على التو لأمه التى اندهشت وحزنت وقالت وهى تُغالب دموعها أنت لست ابن ربيعة بن حرام ولكنك يابنى أكرم منه اباً وأعلى نسباً وأشرف منزلةً أبوك كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة القرشى ..ونسبك ينتهى لإلى إسماعيل بن إبراهيم ..وقومك بمكة عند البيت الحرام , وأخوك هناك زهرة بن كلاب سيد فى قومه ..فقال قصى: فوالله لا اقيم هنا ابداً ولا أرضى لنفسى أن أكون نزيلاُ على غير أهلى ..وخرج يبغى أرض مكة ..فلما وصل إليها قابل أخاه الذى عرف فيه صوت أبيه كلاب بن مرة وجعل يُقبّله ويضمه إلى صدره بعد أن تحقق من النسب.
اش قصى بمكة وامتاز بخُلقه وعقله ومروءته فعلا شأنه بين الرجال وعظم شرفه وذاع صيته..كان شريف مكة وسادن البيت انذاك يسمى ( حُليل بن حُبيشة ) وكان له ابنه تُسمى (حُبى ) فخطبها اليه قصى فزوجه إياها.
أعجب حليل برجولة قُصى وأحبه وأنزله من نفسه منزلة ولده قلما مات حليل أوصى بولاية البيت والقيام بأمر مكة إلى قُصى بمن كلاب وبذلك إنتقلت السدانة والولاية من قبيلة خُزاعة إلى قبيلة قريش ..فما زالت بها حتى بعث الله فيها رسوله محمداً بالهدى ودين الحق.
قام قصى على سدانة البيت ورفادة الحجاج أى إطعامهم وسقايتهم بالتعاون مع قريش وبهذا انتهت إلى قصى جد النبى عليه السلام كل مظاهر الشرف والرياسة.. لايدخل الكعبة أحد حتى يكون قصى هو من يفتحها له .. ولا يشرب رجل بمكة إلا من سقايته ولا يأكل أحد من أهل المووسم طعاماً إلا من طعامه ولا تعقِد قريش لواء حرب إلا بيده ولا تقطع امراً من أمورها إلا فى داره فهو صاحب السقاية والرفادة واللواء والندوة والامر والنهى فى شئون الدنيا والدين بمكة ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق