مدرسة الدكة الإبتدائية

مديرية التربية والتعليم بأسوان
ادارة نصر النوبة التعليمية
مدرسة الدكة الإبتدائية

neobux

onbux

السبت، 14 مايو 2011

آثار مصر «دون حراس».. والقطع المسروقة «دون حصر»




مساحات صحراوية واسعة تتخللها بنايات قديمة تتسم بالعراقة، يبرز فى مدخلها أبواب حديدية، تبدو حديثة الصنع، منها ما تحطمت أقفالها، ومنها ما أغلق بسلك حديدى دون إحكام ورجل تجاوز الأربعين بسنوات، يحمل «بندقية» يتجول بها فى المناطق المحيطة للمكان، تثقله حبات الرمال فى الحركة، فتتعثر خطواته، كلما استشعر وجود غرباء تسللوا إلى المنطقة، دليله إلى ذلك هو صوت نباح الكلب، الذى يعد بمثابة آلة تنبيه طبيعية، تعنى وجود غرباء فى المكان، تفاصيل مشهد يومى اعتاده أحمد محمد، على مدار ٣٤ عاماً من العمل كحارس لآثار «تونا الجبل»، صار يحفظ تاريخها عن ظهر قلب، يحكى قصة اكتشاف المكان لزائريه بابتسامة تعلو وجهه المجعد، يتحدث بثقة الخبير، الذى صار يمتلك مفاتيح الأمور فى المكان، مهمته ليست بالسهلة، فحمايته للآثار فى منطقة تتسع لأكثر من ٨ كيلو مترات من الأراضى الصحراوية مشقة ما بعدها مشقة، خاصة أن الحراسة بها ما يقرب من ١٠ أفراد فقط، لا يملك السلاح فيهم سوى اثنين فقط وهما من رجال شرطة السياحة والآثار.


«آثار تونا الجبل وأهميتها التاريخية جعلتها محط أنظار سكان المناطق المجاورة لها، خاصة من يعرفون خبايا المنطقة من سكانها، وكيفية الدخول إليها عبر المناطق الصحراوية المفتوحة»، هكذا وصف خفير المنطقة حالها بعد الثورة، إذ تعرضت لسطو مسلح، من قبل مجموعة من المواطنين، الذين يعتقدون أن المكان به قطع أثرية يسهل الاستيلاء عليها، مؤكداً أن الكثير من أهالى القرية يسعون للبحث عن آثار فى المنطقة من أجل الثراء السريع، يظن البعض منهم أن تلك البنايات المغلقة تضم بداخلها قطعاً أثرية نادرة، وهو ما دفع عدداً من اللصوص إلى اقتحامها، خاصة أن عدد المسلحين أقل بكثير من أعداد الحراس، الذين لا يحملون سلاحاً، فوسط عشرة من الحراس فى المنطقة يتسلح رجلان فقط، والباقى يقفون لمراقبة المكان ويشغلون وردية عملهم بأحاديث السمر، التى يتبادلونها بجوار تلك البنايات.
اقتحام المخازن فى «تونا الجبل» لم يسفر عن سرقات لأن المنطقة تم تفريغها من الآثار ونقلها إلى المتحف المصرى الكبير.
المكان لايزال يضم بداخله حكايات تاريخية ملتصقة بمقابر الفراعنة، وسراديب أرضية لم يتم اكتشاف معظمها بعد، وأراضى لم يتم اكتشافها بعد، وهو ما دفع بعض الأهالى للتنقيب عن الآثار فيها، من خلال استيلائهم على بعض الأراضى الواقعة تحت زمام الآثار فمنطقة تل العمارنة التابعة لمركز ملاوى، شهدت فى أعقاب ثورة ٢٥ يناير زحف المواطنين عليها وتنقبهم عن الآثار، وهو ما أكدته نجوى أحمد على، مديرة منطقة آثار ملاوى، التى أشارت إلى أن الأهالى استغلو الغياب الأمنى واستولوا على بعض الأراضى الواقعة فى زمام الآثار، الأمر الذى دفع مسؤولى الآثار فى مركز ملاوى لطلب إمدادات من الجيش لحماية المناطق الأثرية بها.
السرقات التى وقعت فى مناطق عديدة كشفت عن وجود خلل فى النظام التأمينى للمخازن الفرعية، فمخزن سليم حسن الموجود فى منطقة الأهرامات الذى كان يضم العديد من القطع الأثرية النادرة لم تقم الآثار بفتحه ومراجعة ما بداخله منذ ١٩٦٨، وهو ما أكده على الأصفر، مدير منطقة الآثار بمنطقة الأهرامات، مشيراً إلى أن المخزن تعرض للسرقة بعد أحداث ٢٥ يناير، وقال إنه تم التعامل مع الموقف بنقل الآثار الموجودة بالمخزن إلى المخزن الرئيسى المجهز لحماية ما تبقى من الآثار. ولفت إلى أن الأزمة الحقيقية هى فى العدد القليل الذى يحرس المخازن، مؤكداً أن التأمين البشرى هو الذى يحمى تلك المناطق، لكن الأعداد القليلة وقلة الأسلحة تسببتا فى حدوث السرقات، وأوضح أن مسؤولية تأمين المناطق الأثرية ترجع إلى شرطة السياحة والآثار.
فى مساحة شاسعة تزيد على ٥٠٠ فدان وقف جمعة محمد الذى تعدت سنوات عمره الخمسين بقليل، والذى يحرس متحف كوم أوشيم فى منطقة الكرانيس، لا يحمل فى يديه سوى «طبنجة» صغيرة، يضع دكة خشبية فى مكان «الظل» يستريح عليها منتظراً موعد دوام عمله، الذى يستمر ٢٤ ساعة كاملة فوردية حراسة المتحف ثلاثة أفراد أمن فقط، يتبدلون يومياً. تقع كوم أوشيم المعروفة باسم «الكرانيس» على بعد ٣٠ كم شمالاً من مدينة الفيوم، و٦٠ كم إلى الجنوب الغربى من مدينة الجيزة، وتضم كوم أوشيم مدينة الكرانيس الأثرية التى ترجع للعصرين اليونانى والرومانى، ولا تزال تحتفظ بالكثير من عناصرها مثل المعبد الجنوبى والشمالى، يقع المتحف عند مدخل المدينة وكان قد بدأ ١٩٧٤ بصالة واحدة، تضم بعض الآثار التى عثر عليها فى المنطقة وتم تطويره ١٩٩٥ من حيث المساحة وأسلوب العرض ويتكون المتحف من طابقين خصص الأول منهما لعرض الآثار ابتداء من عصور ما قبل التاريخ حتى نهاية العصر الرومانى، وخصص الطابق الثانى للآثار القبطية والإسلامية والعصر الحديث.
ورغم الأهمية التاريخية للمتحف، فإنه مغلق منذ ٢٠٠٦ كما أكد يحيى محمدين، مدير عام المتحف، وتابع: «المتحف يحتاج سوراً لحمايته من هجمات البلطجية، كتبنا وطالبنا ببناء سور، خاصة أن المساحة هنا تصل إلى ٢٠٠٠ فدان من الأراضى الشاسعة، لكننا لم نحصل على رد حتى الآن بالإضافة إلى عدم وجود كاميرات مراقبة تحمى المكان، والمتحف مرتبط بمنطقة كرانيس الأثرية، وهى منطقة جبلية معرضة للسرقات والنهب».
مساء يوم ٢٩ يناير «أول سبت» بعد جمعة الغضب، فوجئ جميع العاملين بالمنطقة بهجوم بلطجية يزيد عددهم على ٢٠٠ فرد يحمل بعضهم أسلحة آلية، والبعض الآخر أسلحة بيضاء والشوم والجنازير والمطاوى الصغيرة، وبالطبع لم يستطع العدد القليل من أفراد الأمن حماية المتحف، كما يحكى جمعة عطية أحد أفراد الأمن: «كنت قاعد اليوم ده لوحدى، لأن معظم الشرطة روحت ودخل علينا، بلطجية ونزلوا فينا ضرب، ومن ساعتها سبت المكان ومشيت».
ظل المتحف دون ورديات أمنية لمدة تقترب من أربعة أيام استطاع البلطجية خلالها اقتحام المتحف ودخوله عن طريق كسر الباب الخشبى البسيط، الذى يحميه وحطموا الفاترينات بالإضافة إلى سرقة كل ما تقع عليه أيديهم، فيما نفى يحيى محمدين- مدير المتحف- سرقة أى قطع أثرية من داخله، لأنه سبق أن تم تفريغه من محتوياته بسبب عمليات التطوير. وأكد أن البلطجية اكتفوا بتكسير الفاترينات، ومولد كهربائى واستولوا على بعض الأموال من خزينة المتحف، بالإضافة إلى ختم المتحف لكن العاملين بالمنطقة أشاروا إلى أن الأمر لم يقتصر على تلك المسروقات فقط، بل امتد إلى الحفر والتنقيب بمنطقة الكرانيس، دون وجود أى عناصر أمنية تعترضهم سوى بعض دوريات الجيش التى كانت تمر لحماية المخزن المتحفى، المجاور للمتحف، كل عدة ساعات، وهو نفس ما أكده جمعة محمد: «لما بنكلم رئيس الوحدة المحلية ما بيسألش فينا، وما بيرضاش يفتح الأنوار والمكان
بيبقى عتمة، لأنه جبل، وقسم الشرطة قوتة كانت بسيطة فى مواجهة البلطجية، لأن سلاحنا طبنجات وما بنقدرش نواجه الآلى».
فى المخزن المتحفى، اختلف الأمر قليلاً، وحرص القائمون عليه، على إحاطته بسور أسمنتى، بالإضافة إلى وجود كاميرات مراقبة، تراقب خارج المخزن فقط، أما داخل المخزن، فقد خلا من أى كاميرات، واكتفى الأمن بإغلاق باب المخزن، بـ«قفل» معدنى بسيط- يسهل فكه.
يختلف الوضع الأمنى كثيرا فى منطقة كرانيس الأثرية، فالمنطقة ذات المساحات الشاسعة يؤمنها ثلاثة خفراء شرطة، فى وردية تستمر ٢٤ ساعة، مسلحين فقط بطبنجات، بالإضافة إلى خفير معين من قبل المجلس الأعلى للآثار، فالمنطقة الأثرية المقامة على جبل مفتوحة من جميع جوانبها، فأثناء التجول فى المنطقة يقابلك تمثال مكسور لرمسيس الثانى، نقل إلى الكرانيس من منطقة كيمان فارس الأثرية، بسبب الخوف من تعرضه للمياه الجوفية، دون وجود أى حراسة خاصة تحميه من السرقة، بالإضافة إلى جزء من جدار من معبد الملك رمسيس منقوش عليه بالهيروغليفية.
وأكد أشرف صبحى، مفتش آثار بالفيوم، أن المدينة تحتوى على أكثر من ٣٥ منطقة أثرية دون تأمين، وتابع: الحراسة غير كافية بكل المقاييس، وأرجع السبب إلى نقص الميزانية التى حددتها «الآثار» للتأمين. ولفت سعيد عوض محمد، مفتش آثار بالفيوم، إلى مشكلة أخرى تتلخص فى أن الهجوم على المخزن المتحفى أصبح فى تزايد مستمر، وبشكل دائم، خاصة أن أهالى المنطقة صار لديهم علم بأنه ملىء بالقطع الأثرية، بعد هجوم البلطجية عليه أثناء الثورة.
من داخل منطقة سقارة الأثرية، كانت آثار السرقات والاقتحامات أوضح، فأبواب أغلب المقابر تم تحطيمها بالإضافة إلى بعض السرقات، التى عانت منها المنطقة، تحديداً أوقات الثورة بعد سرقة اللصوص الباب الوهمى، الذى يقدر ثمنه بملايين الجنيهات، من داخل مقبرة «راحتب» الأثرية، والباب الوهمى، هو باب أثرى مغطى بالنقوش الفرعونية والكتابة الهيروغليفية، وتمت سرقته رغم كبر حجمه وثقل وزنه.
واشتكى مسؤول بالآثار - فضل عدم ذكر اسمه - من وجود عجز فى حراسة المنطقة وقال: «بنلحم أبواب المقابر ونقفلها، فنفاجأ بوجود أفراد من قرية أبوصير وسقارة، قاموا باقتحامها وكسرها، بالإضافة إلى قيامهم بالحفر تحت الأرض، وهناك حارس واحد يقف على كل مقبرة أثرية، وهذا العدد غير كاف لمواجهة السرقات والاقتحامات».
فيما أكد الدكتور محمد عبدالمقصود، رئيس الإدارة المركزية لآثار الوجه البحرى وسيناء، أن خطة التأمين قبل ٢٥ يناير، كانت تعتمد على العنصر البشرى من المجلس الأعلى للآثار، إلى جانب شرطة السياحة والآثار، وهو ما أظهر خللاً واضحاً فى الحماية، لأن دورها لا ينصب على الآثار فقط، فهى تهتم بحماية السياح والآثار، والحل لهذه المشكلة هو أن يتم إنشاء شرطة خاصة لحماية الآثار فقط، ووصف عبدالمقصود تعيين «الآثار» لـ«٧٠٠٠ حارس دون أسلحة بأن التعيينات كانت تستهدف حل أزمة البطالة وليست لحماية الآثار بالمعنى المعروف، مؤكداً أنه لا قيمة لحارس دون أن يحمل سلاحاً.
وذكر عبدالمقصود أن الأثريين ليست مهمتهم حماية الآثار وأن مهمتهم هى التنقيب والبحث عنها، وتسجيلها، وحمايتهم للآثار عبء عليهم، وينبغى إعادة النظر فيه وطالب بأن تصبح للآثار شرطة مختصة، وأضاف: «حتى الآن لا توجد جهة واحدة يمكن سؤالها عن تأمين المناطق، لكن هناك أمناً قومياً وشرطة سياحة وآثار، وهو ما يؤدى إلى ضياع الآثار وسط كل هؤلاء»، لافتا إلى أن المخازن العشوائية، هى التى تعانى أزمة كبيرة فى تأمينها فعلى حد تعبيره: «هذه بنايات عادية تم إنشاؤها لوضع الآثار المكتشفة فيها»، لكن تلك المخازن غير مؤمنة وغير مجهزة لحماية الآثار، وأشار إلى أن المخازن ينبغى أن تكون «منشأة محصنة بأسوار وأجهزة إنذار ومزودة بحراسات بشرية مسلحة»، ولفت إلى أنه تم إنشاء ٦٠ مخزناً مجهزاً، على مستوى الجمهورية، لتخزين الآثار، تم تصميمها بطريقة محددة، طبقا لمواصفات وشروط تأمينية واضحة، إذ إن لها مواد بناء مختلفة، وجدراناً مضادة للرصاص، ولكن الأزمة أننا فى حاجة إلى ما يقرب من ١٥٠ مخزناً مجهزاً آخر، لكى يتم تخزين جميع الآثار فيها».
وذكر أن تكلفة المخزن الواحد تصل إلى ٥ ملايين جنيه، مؤكداً أن التأمين الحقيقى، لن يتم إلا بوجود حراسات مسلحة تحمى تلك المناطق، من العدوان عليها فى أى لحظة.
وأضاف: «طالبنا من قبل بالسماح لنا بتسليح الأثريين إلا أن «الداخلية» رفضت ذلك بحجج واهية»، إضافة إلى أن هناك خللاً فى رواتب الأمن والحراسات التابعة للآثار، وأغلبهم غير معينين وهى أزمة ينبغى النظر إليها.
وتابع عبدالمقصود: «المخازن التى تمت مهاجمتها، أغلبها غير مجهز وتتبع المخازن العشوائية التى طالبنا بتغييرها للمحافظة على الآثار».
وتابع: «المخازن المجهزة التى تم اقتحامها كانت فى القنطرة شرق أما مخزن المنصورة فلم ينجحوا فى اقتحامه، وأن المخازن العشوائية غير المجهزة تم اقتحامها».
واستطرد: عوامل التأمين تكتمل بتوفير المعدات والسيارات المجهزة للتحرك داخل تلك الصحارى بالصورة التى تؤدى إلى سرعة التحرك داخل الصحارى، أثناء حدوث أى اعتداء أو هجوم، ووصف عبدالمقصود غياب هذه الأدوات بأنها تؤدى إلى حدوث كوارث كبيرة تتعلق بتسهيل الاستيلاء على الآثار والمناطق الأثرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دردشة (شات)