الجزيرة الوثائقية (الكاميرا والعلم .. مقدمة لتاريخ مسارين )

الكاميرا والعلم .. مقدمة لتاريخ مسارين

 د. يحي عزمي

نحن نعيش الآن في عالم تتخلله الصور بشكل خاطف وسريع وتُهيمن عليه، حيث تملأ الصور الصحف والمجلات و الكتب والملابس ولوحات الاعلانات وشاشات التليفزيون و السينما والكمبيوتر والإنترنت و التليفونات الخلوية (المحمولة)  بشكل لم يحدث من قبل في تاريخ البشرية عامة . لقد أصبح المجتمع الإنساني مجتمعاً تقوم الصور بالوساطة خلاله ، في الأنشطة الإنسانية كافة حتي أن الحياة المعاصرة لا يُمكن تصورها من دون أننا نعيش بالفعل في عصر الصورة "كما قال آبل جانس سنة 1926" ، ونعيش في حضارة الصورة كما قال الناقد الفرنسي "رولان بارت" فيما بعد .(د . شاكر عبد الحميد – عصر الصورة ). ولقد كانت البداية باختراع الفوتوغرافيا . إن اختراع الفوتوغرافيا في بدايات القرن التاسع عشر يرسم خطاً هاماً فاصلاً بين عصر ما قبل التكنولوجيا في الفنون والحاضر. إن البواعث الفنية الأساسية التي تدفعنا لمُحاكاة الطبيعة كانت في الجوهر ، واحدة ، قبل و بعد ذلك الحين ، ولكن القدرة التقنية المُتزايدة عل التسجيل وإعادة إنتاج الصور في القرن العشرين تقدم لنا مجموعة جديدة من الخيارات المثيرة. من قبل كنا محدودين بقدراتنا البدنية ، فعازف الموسيقى كان يخلق الأصوات بواسطة النفخ أو مُداعبة الأوتارأو الغناء ، والرسام كان يرسم الصور الحقيقية مُعتمداً تماماً علي عينه في إدراكها، و علي يديه في تحقيقها، و كان الروائي أو الشاعر اللذان يشتغلان بالفنون الفيزيقية  ( Physical Arts) كانا مع ذلك يعتمدان في تصويرهما للاحداث أو الشخصيات علي قدراتهما الخاصة علي الملاحظة .  ولكن تكنولوجيا الصوت والصورة الآن تمنحنا فرصة تسجيل الأصوات والصور والأحداث، ونقلها مباشرة للمُشاهد دون وساطة شخصية الفنان و قدراته الخاصة المُطلقة علي غرار ما سبق ظهور هذه  التكنولوجيا، والانتقال إلي ثقافة العدسة في الفنون البصرية . إن قناة جديدة للاتصال قد استُحدثت تضاهي في أهميها اللغة المكتوبة. وبالرغم من أن آلة التصوير الفوتغرافي (الكاميرا الفوتغرافية) لم تدخل مجال الاستعمال العلمي إلا في بداية القرن التاسع عشر، إلا أن الجهود لإبتداع آلة سحرية كهذه ، تقوم بتسجيل الواقع مباشرة ، يرجع تاريخها إلى ما قبل ذلك بكثير . فالحجرة المظلمة (Camera Obscura) التي هي بمثابة سلف آلة التصوير الفوتغرافي يرجع تاريخها إلي عصر النهضة ، فلقد وضع ليوناردو دافينشي (Leonardo Da Vinci) المبدأ و قام جيوفاني باتيستاديللا بورتا ( Giovanni Battista Della Porta ) باصدار أو وصف منشور عن فائدة هذا الإختراع في عام 1558 م في كتابة المعنون (سحر طبيعي) (Natural Magic) بل توجد مراجع يرجع تاريخها إلي القرن العاشر الميلادي منسوبة إلي العالم  الفلكي العربي (الخازن).  في واقع الأمر إن " الحجرة المظلمة" تقوم علي مبدأ بصري بسيط ( إذا مرت أشعة ضوئية منعكسة من جسم ما عبر فتحة ضيقة إلي داخل حيز ضيق مظلم كحجرة أو صندوق مكونة حزمة ضوئية لتسقط علي سطح ما مقابل لهذا الجسم ستتكون صورة مقلوبة له علي هذا السطح ) ، هي تتضمن كل عناصر آلة التصوير الفوتغرافي المعاصرة الأساسية عدا واحداً :"الفيلم" ، وهو الوسيط الذي تسجل علية الصورة المسقطة